تبلور الطقس الأرمني

الى حين إعتناق أرمينيا رسمياً الديانة المسيحية على يد القديس غريغوار المنوّر عام 301 وبالتالي قيام الكنيسة الأرمنية، كانت كنائس الشعوب الأخرى قد نظمت قواعد العبادة لديها. الرسولان تاتيوس وبرتماوس لم يتركا أثراً لأي طقس مسيحي في المراجع عندنا. قبل القديس غريغوار المنوّر كانت المسيحية قد دخلت الى أرمينيا بفضل مبشّري الكنائس اليونانية والأشورية. هؤلاء استقدموا معهم أيضاً طرق عبادتهم الكنسية الى جانب التبشير بالدين المسيحي.

هذا لا يمكن أن يكون غريباً لأن المسيحية الأرمنية والكنيسة الأرمنية كانت ستتشكل بعد ثلاثمائة عام من الكنائس الاشورية واليونانية. وبالتالي فإن هذه الكنائس كانت لديها الوقت الكافي لتنظيم نفسها وتطوّرها، بالاضافة الى أن يكون لها آبائها وقديسيها الذين ساهموا في نمو هذه الكنائس وتطورها، في حين أننا كنا ما نزال نعيش في زمن الوثنية.

بعد رحيل القديس غريغوار المنوّر، الكنيسة الأرمنية وبسبب عدم وجود الأحرف الأرمنية ظلت تقيم العبادة بالطقوس واللغات الأخرى. قبل إيجاد الأبجدية الأرمنية، العبادة الأرمنية استمرت على التحديد باللغة اليونانية.

عام 387، بعد إنقسام أرمينيا سياسياً، تم منع اللغة اليونانية من الاستخدام في القسم الفارسي من أرمينيا، حيث أصبحت العبادة تتم باللغة الأشورية، كما يقول المؤرخ باربتسي. بينما في القسم الغربي من البلاد ظلت العبادة تتم باللغة اليونانية كما يشهد المؤرخ خوريناتسي. هذا الوضع استمر من مرحلة غريغوار المنوّر حتى ساهاك ميسروب، من عهد الملك درتاد الكبير حتى ملكية فرامشابوه، أي حتى إكتشاف الأبجدية الأرمنية.


إكتشاف الأبجدية الأرمنية

إن ترجمة الطقوس الأخرى الى الأرمنية أو الانتقال من التأثير الأشوري الى التأثير اليوناني هو نتيجة جهود كل من القديسَين ساهاك بارتيف وميسروب ماشدوتس اللذان قاما بالتحوّل الكبير والاسهام في تبلور الطقس الأرمني. حدث هذا التحول في الكنيسة الأرمنية عندما اعتُمِدت رزنامة الأعياد وكتاب القداس التابع لكنيسة القدس. كانت اللغة يونانية لكن الاحتفال كان بالطريقة السغيميكية.

ما عدا نعمة إكتشاف الأحرف الأبجدية الأرمنية، يعود للثنائي ساهاك – ميسروب شرف إبتداع الطقس والعبادة الأرمنية، كتاب دليل القداس والدين، ورزنامة الأعياد. هذان الكبيران قد ترجما من اليونانية الى الأرمنية إنسجاماً مع ظروفنا. ان عنوان كتاب الأدعية يحمل اسم القديسين المترجمان لللغة الأرمنية ساهاك وميسروب.

في القرن الرابع، الثنائي ساهاك ميسروب مندهشان من كنيسة أورشليم المقدّسة المكرّسة بروح المسيح، كونها الكنيسة الأم على مستوى العالم، وكونها تحتضن الأماكن المقدسة وهي مركز الحجاج، ولأسباب رعوية، قررا إعتماد كتاب القداس الخاص بكنيسة القدس ورزنامة أعيادها. إن كتاب قداس كنيسة القدس باللغة اليونانية قد أثّر بشكل ملحوظ على الطقوس الشرقية الأخرى، مثل الطقس البيزنطي والسرياني والقبطي. الى جانب كتاب القداس ورزنامة الأعياد، القداس الأرمني والشعائر الدينية الارمنية قد ولدت من رحم كنيسة القدس. إن تمتّع المدينة المقدسة بالمكانة العليا لدى الكنيسة السريانية، جعل من السهل على الأرمن إبدال الطقس السرياني بالطقس اليوناني.

في القرن الرابع ومنذ عهد غريغوار المنوّر، أساقفة وآباء كثُر قد طوّروا على التوالي الطقس الأرمني، نظموه وطوّروه. البعض تطرّق الى قسم القدّاس، آخرون للإدارة، أو للطقس او رزنامة الأعياد او التراتيل والأغاني الكنسية. بالتحديد في القرن الخامس، بعد إكتشاف الأبجدية الأرمنية وبعد ترجمة الكتاب المقدّس لللعة الأرمنية بالتوازي، أصبح الطقس يقام بالأرمنية. في البداية تم الأمر من خلال الترجمة والتنظيم الجديد المرافق لها، بتأليف التراتيل والصلوات، وبترتيب خاص أصبح الطقس ذو وجه أرمني. البطريرك ساهاك، وميسروب ماشدوتس وخاصة هوفنان مانتغوني كانوا على رأس مهندسي الطقس الأرمني وبلورته سواء على صعيد الأسرار أو على صعيد العبادة العامة في أماكن الصلاة.


الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | الدليل | مراجع مفيدة | إتصل بنا
ابحث في الموقع: 
اقرأ هذه الصفحة باللغة :    
جميع حقوق النشر محفوظة © للكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة